“الفتن” للشيخ سعدبن شايم الحضيري
وقد كثرت الفتن في هذا الزمان حتى اختلطت على كثير من الناس وجرى فيها أقوام كانوا عنها بمنأى نعوذ بالله منها.
عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تكون فتنة؛ النائم فيها خير من المضطجع، والمضطجع
فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الراكب، والراكب خير من المجري، قتلاها كلها في النار. قال: قلت: يا رسول الله! ومتى ذلك؟ قال: ذلك أيام الهرج. قلت: ومتى أيام الهرج؟ قال: حين لا يأمن الرجل جليسه.
قال: فبم تأمرني إن أدركت ذلك الزمان؟ قال: اكفف نفسك ويدك، وادخل دارك. قال: قلت: يا رسول الله! أرأيت إن دخل علي داري؟
قال: فادخل بيتك. قال: قلت: يا رسول الله! أرأيت إن دخل علي بيتي؟ قال: فادخل مسجدك، واصنع هكذا- وقبض بيمينه على
الكوع- وقل: ربي الله؛ حتى تموت على ذلك) .
أخرجه الإمام أحمد وعبد الرزاق وصححه الحاكم والألباني
وعن أبي موسى عن النبي صلى الله وسلم قال: «إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي فكسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا سيوفكم بالحجارة فإن دخل على أحد منكم بيته فليكن كخير ابني آدم» . رواه أحمد وأبوداود وابن ماجة وصححه الحاكم والألباني
وفي رواية «إن بين يدي الساعة الهرج: القتل ما هو قتل الكفار ولكن قتل الأمة بعضها بعضا حتى أن الرجل يلقاه أخوه فيقتله ينتزع عقول أهل ذلك الزمان ويخلف لها هباء من الناس يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء» .
رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني
هذا وقد كان المشايخ السلفيون يقررون وينصحون من أول ظهور شرارة الفتن بالربيع الديمقراطي الغربي محذرين ومنبهين، ولطالما رددوا النصوص الشرعية، وتلوا أقوال الأئمة النقية، ومنهم شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية حين قال:
(ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته).
وقال:
(وقل من خرج على إمام ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك بالعراق وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضا وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة وأمثال هؤلاء
وغاية هؤلاء إما أن يغلبوا وإما أن يغلبوا ثم يزول ملكهم!!) اهـ.
ومن هنا نعلم فقه كبار العلماء لما حرموا المظاهرات والاعتصامات، فليت الدعاة وطلبة العلم والعامة يعرفون قدرهم ويلزمون غرزهم.
وإني لأدعو نفسي وإخواني دعاء صدق أن ننأى بأنفسنا عن الدخول في مثل هذه الفتن، التي مآلها فساد عريض، لو لم يكن منه إلا قتل مسلم واحد لكفى، فهو والله أسلم لنا، وإن ادعى بعض الناس أنه لا بد من البيان، فهذا مقام للعلماء الذي أمر الله بالرد إليهم بقوله (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف إذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً) فترك الرجوع لأولي الأمر والشأن والخوض فيها كلٌ باجتهاده ورأيه سبب لاتباع الشيطان الذي يستغل الأحداث للتحريش بين المسلمين. والتفرق من أعظم مقاصد الشيطان وفرصه للإضرار بالأمة الإسلامية
وقد يكثر دعاة الفتنة والمحرضين عليه فالواجب الصبر وعدم الانسياق لهم فقد روى ابن أبي شيبة بسند جيد عن عبدالرحمن بن قيس قال: جاء رجل إلى حذيفة وأبي مسعود الأنصاري وهما جالسان في المسجد وقد طرد أهلُ الكوفة أميرَهم سعيد بن العاص. فقال: ما يحبسكم وقد خرج الناس؟! فوالله إنّا لعلى السنة!! فقالا: وكيف تكونون على السنة وقد طردتم إمامكم؟! والله لا تكونون على السنة حتى يُشفق الراعي وتنصح الرعية.
فقال الرجل: فأن لم يشفق الراعي وتنصح الرعية؟
قالا: نخرج وندعكم.
وصح عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «تكون هدنة على دخن قلوب لا تعود على ما كانت عليه ثم تكون دعاة الضلالة فإن رأيت يومئذ خليفة لله في الأرض فالزمه وإن نهك جسمك وأخذ مالك وإن لم تره فاضرب في الأرض ولو أن تموت وأنت عاض على جذل شجرة» . رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني
وعن أبي عمران الجوني: قلت لجندب بن عبدالله: إني بايعت ابن الزبير على أن أقاتل أهل الشام،
قال: فلعلك تريد أن تقول: أفتاني جندب، وأفتاني جندب؟!
قلت: ما أريد ذاك إلا لنفسي.
قال: افتدِ بمالك.
قلت: إنه لا يقبل مني.
قال جندب: إني قد كنت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم غلاما حزوَّرا ـ وهو من قارب البلوغ ـ وإن فلانًا أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [يجيء المقتول يوم القيامة متعلقًا بالقاتل، فيقول: يا رب سله فيم قتلني؟
فيقول: في ملك فلان!!] فاتق، لا تكون ذلك الرجل ..
أخرجه الإمام أحمد في المسند.
وفي كتاب الفتن لنعيم بن حماد، عن عبدالله بن هبيرة: [من أدرك الفتنة فليكسر رجله، فإن انجبرت فليكسر الأخرى!]..
وعن عبدالله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كيف بكم بزمان يوشك أن يأتي يغربل الناس فيه غربلة ويبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وخفت أماناتهم واختلفوا وكانوا هكذا؟ – وشبك بين أصابعه – تأخذون بما تعرفون وتدعون ما تنكرون وتقبلون على أمر خاصتكم وتذرون أمر عامتكم»
رواه ابن ماجة وصححه الألباني
وفي رواية قال:«الزم بيتك، و املك عليك لسانك، و خذ ما تعرف، و دع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة». رواه احمد وأبوداود وصححه الحاكم
والله أعلم .
[إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب]..
كتبه
سعد الحضيري